حول دعاء الملكين : اللهم أعط منفقاً خلفاً
هنالك حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه : " ما من يوم يصبح العبد فيه إلاينزل ملكان فيقول: أحدهما للآخر: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا, ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفًا " فهل ينزلان على كافر ؟ وكلنا عباد لله , وإذا لم يكونا ينزلان فما المقصود بالعبد ؟
التفسير
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه ، أما بعد :
فإن الحديث الذي ذكرته قد رواه البخاري ومسلم وغيرهما, وليس فيه لفظ العبد ، وإنما فيه لفظ : العباد ، فعن أَبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قَال َ: " مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ العِبَادُ فِيهِ إلا مَلَكانِ يَنْزلاَنِ، فَيقُولُ أحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تلَفًا ".
مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
وليس معنى الحديث أن كل عبد من عباد الله ينزل عليه ملكان ، وإنما يكون نزول الملكين بناحيتين فيدعوان بما ورد , كما جاء عند أحمد وغيره من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - فقد قال القسطلاني - رحمه الله - : وكذا أخرجه من حديث أبي الدرداء أحمد وابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه ، والبيهقي من طريق الحاكم بلفظ [ ما من يوم طلعت فيه شمسه إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين : يا أيها الناس , هلموا إلى ربكم , إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى , ولا آبت الشمس إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين ، " اللهم أعط منفقًا خلفًا وأعط ممسكًا تلفًا " ] وأنزل الله في ذلك قرآنًا في قول الملكين : يا أيها الناس , هلموا إلى ربكم في سورة يونس: { والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } [يونس: 25] وأنزل الله في قولهما : اللهم أعط منفقًا خلفًا وأعط ممسكًا تلفًا { والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى} إلى قوله تعالى : { للعسرى } [ الليل: 1 - 10] وقوله بجنبتيها : تثنية جنبة بفتح الجيم وسكون النون , وهي الناحية . انتهى.
وأما من حيث المعنى : هل لفظ العباد يدخل فيهم الكفار ، أم لا ؟ وبالتالي : فهل دعاء الملكين يشملهم ؟
فلم نجد أحدًا من العلماء صرح بذلك نفيًا أو إثباتًا، ولكن ذكر الإمام النووي - رحمه الله - أن الكافر يجازى بما فعله تقربًا إلى الله مما لا تفتقر صحته إلى النية , كالصدقة , قال - رحمه الله - في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم : " وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا " ، أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى : أَنَّ الْكَافِرَ الَّذِي مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ لَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ, وَلَا يُجَازَى فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى , وَصَرَّحَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنْ يُطْعَمَ فِي الدُّنْيَا بِمَا عَمِلَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ , أَيْ بِمَا فَعَلَهُ مُتَقَرِّبًا بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَا يَفْتَقِرُ صِحَّتُهُ إِلَى النِّيَّةِ , كَصِلَةِالرَّحِمِ , وَالصَّدَقَةِ , وَالْعِتْقِ , وَالضِّيَافَةِ , وَتَسْهِيلِا لْخَيْرَاتِ , وَنَحْوِهَا . انتهى .
وأما إتلاف المال بسبب الإمساك عن الإنفاق الواجب ، فإن كان يشمل المسلم فهو يشمل الكافر من باب أولى ، فإنهم مخاطبون بفروع الشريعة.